حين تختنق المياه… من رئة بيئية إلى مصدر للمعاناة: صرخة الحوضين المائيين بتيط مليل
اعداد الصحفيون الشباب //
●آية بنوشن
●بسمة سلاك
●إلهام بوهلال
●زين العابدين بوهندة
■ المؤطر: أيوب تاسي
نافذة البداية: حوضان على هامش الحياة
في قلب تيط مليل، وعلى مقربة من ملعب الذكرى الفضية ومدرسة علال بن عبدالله الابتدائية، يرقد حوضان مائيان يُفترض أن يكونا متنفسًا بيئيًا لسكان المنطقة. غير أن الواقع يكشف عن معاناة متراكمة، حيث تحوّلا إلى نقط سوداء تئن تحت وطأة التلوث والإهمال. بين رائحة خانقة ونفايات متناثرة، تقف الساكنة في حيرة، متسائلة: هل كتب لهذين الموردين أن يتحولا من رئة بيئية إلى مصدر للأمراض والمعاناة؟
صرخات من تحت الماء: الإشكالية البيئية في أبهى تجلياتها
الحوضان، اللذان لطالما شكّلا فضاءً بيئيًا محوريًا في المنطقة، يعانيان اليوم من اختناق بيئي حاد. مياه آسنة، نفايات بلاستيكية، حشرات ناقلة للأمراض، وروائح تزكم الأنوف. تقول السيدة فاطنة، من سكان حي مجاور: ” الساكنة لم تعد تستطيع الجلوس هناك بهدوء، فالروائح الخانقة والحشرات أصبحت جزءًا من يومياتهم.”
أصوات من الميدان: شهادات من قلب الأزمة
أحد نواب رئيس المجلس الجماعي لتيط مليل أكد:”أن المسؤول عن هذا التلوث البيئي هو الإنسان، فالممارسات غير السليمة مثل إلقاء النفايات في الماء، إضافة إلى غياب الوعي البيئي، هي التي تسببت في هذه الحالة المزرية. لكننا في المجلس الجماعي قد قمنا بعقد اجتماع مع ممثلي الشركة الجهوية متعددة الخدمات، بالإضافة إلى ممثل السيد عامل عمالة إقليم مديونة ومختصين في المجال، لوضع خطة عملية لإيجاد حلول ناجعة لهذه المشكلة. نحن على يقين أنه بالإرادة الجماعية والاهتمام الحقيقي، يمكننا تحويل هذا المكان إلى فضاء بيئي صحي وآمن للجميع.”
وأضاف قائلا : “لو تم تفعيل دور الساكنة ودمجهم في ورشات بيئية ميدانية، لتحوّل المكان إلى جنة خضراء بدل هذه البؤرة السوداء.”
تحولات مؤلمة: من منبع حياة إلى منبع خطر
إن الحالة المزرية للحوض المجاور لمدرسة علال بن عبدالله لا تؤثر فقط على البيئة، بل تنعكس سلبًا على التلاميذ الذين يصادفون مشهدًا منفّرًا يوميًا. لا يمكن أن نتحدث عن تربية بيئية سليمة دون توفير محيط تربوي نظيف يزرع في نفوس الأطفال حب الطبيعة والجمال لا مشاهد التلوث والنفور. فقد كانت هذه الحفر المائية تشكل في ما مضى موردًا بيئيًا مهمًا ومصدرًا للراحة النفسية، خاصة لقربها من مرافق حيوية. غير أن الإهمال التدريجي، وسلوكيات الأفراد، وعدم تدخل الجهات المسؤولة في الوقت المناسب، حولتها إلى فضاء طارد بدلًا من أن تكون جاذبة.
خطط تُرسم بالمشاركة: بزوغ الوعي الجماعي
أمام استفحال الأزمة، يدعو نفس المتحدث المذكور اعلاه الجمعيات المحلية بالتعاون مع فعاليات من المجتمع المدني لإطلاق مبادرات لإيقاف النزيف:
تنظيم حملات نظافة موسمية بمشاركة الشباب والتلاميذ، في خطوة تُرسخ ثقافة الصحة العامة والعيش في بيئة سليمة.
ورشات توعوية في المدارس لتعزيز الوعي البيئي، ودمج قيم النظافة وحماية الماء في السلوك اليومي.
اقتراح تحويل الحوضين إلى حدائق مائية عبر تدخل جماعي يضم الساكنة، والجماعة، والقطاع الخاص، بما يُسهم في جعل المدينة أكثر صمودًا وجاذبية.
نحو أفق أخضر: حلول في الطريق
وفي السياق نفسه أشار مهندس وصاحب شركة خاصة قائلا”إن ترميم الحوضين لا يحتاج فقط إلى تمويل، بل إلى إرادة جماعية وتصور بيئي متكامل. يمكن تحويلهما إلى فضاء ترفيهي مستدام يخدم المدينة وسكانها ويُشجع على السلوكيات الصحية.”
وفي تصريح خاص مع السيد، مهندس ومفتش شرطة البيئة، قائلاً: “من بين الأخطاء الشائعة التي تساهم في تدهور الوضع البيئي للحوضين، قيام بعض السكان أو المقاولات بربط أنابيب الصرف الصحي بشبكة مياه الأمطار، وهو خرق خطير يُفضي إلى تسرب المياه العادمة مباشرة إلى المجاري الطبيعية. من الضروري التمييز بين الشبكتين، فشبكة مياه الأمطار مخصصة لتصريف المياه النظيفة، وأي خلط يعرض المنظومة البيئية للتلوث ويصعب عملية المعالجة لاحقًا.
من المحلي إلى العالمي: التفاعل مع روح التنمية المستدامة
رغم أن الموضوع ينبع من إشكالية محلية، فإن معالجته تنسجم مع الرؤية العالمية التي تدعو إلى العيش في بيئة صحية، وإتاحة الماء النقي للجميع، وتحقيق الرفاه الجماعي من خلال مشاريع قاعدية تُشارك فيها المجتمعات المحلية، بما يعكس الربط بين حماية الموارد الطبيعية وبناء مجتمعات قوية ومستدامة.
من الفجوة ينبثق النور
ما زال الأمل حاضرًا في أن يتحول هذا الملف البيئي إلى قصة نجاح جماعية. فحين تُختنق المياه، يعلو صوت الإنسان. وعندما تتضافر الجهود، يصبح الحوضان المائيان رمزًا للانبعاث لا للانحدار. إنها صرخة بيئية تنادي الجميع: لنعد للماء مكانته، وللبيئة روحها.