عندما يتحول الإعلامي إلى قاضي.. جريمة بن أحمد نمودجا
بقلم : بوشعيب نجار
في زمن الانفجار الرقمي وسيطرة شبكات التواصل الاجتماعي على تدفق الأخبار وسرعة تداولها، أصبح المتلقي لا يكتفي بمتابعة الأحداث بل بات شريكًا في صناعتها، وغالبًا ما ينزلق إلى دور غير محايد، يمزج فيه بين العاطفة والرغبة في الإدانة الفورية.
لقد تحول الإعلام، أو بالأحرى بعض الإعلاميين، من ناقلين للخبر إلى محققين وقضاة، وأحيانًا جلادين. ففي قضية جريمة ابن أحمد، التي اهتز لها الرأي العام بعد العثور على جثة خمسيني مقطعة الأوصال، انفجرت موجة من الفيديوهات والتدوينات على الفيسبوك وتيك توك، تُصور وتُدين وتُعلّق، وتمنح لنفسها صلاحيات لا يملكها سوى القضاء.
صور المشتبه به جرى تداولها على نطاق واسع، وعبارات من قبيل “الوحش الآدمي”، و”المجرم الخطير”، صارت تتكرر في منشورات وصفحات محسوبة على بعض المؤثرين أو حتى المنابر الإعلامية، في خرق واضح لمبدأ قرينة البراءة، وفي تجاوز خطير لأخلاقيات العمل الصحفي التي توجب احترام سرية البحث والتحقيق.
القانون المغربي كباقي القوانين في الدول التي تحترم حقوق الإنسان، ينص بوضوح على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. لكن يبدو أن هذه القاعدة أصبحت تُنسى بمجرد انتشار صورة أو شائعة، ويحل محلها “قضاء الشارع” الذي لا يمنح المتهم فرصة الدفاع عن نفسه، بل يُصدر أحكامه تحت ضغط التعليقات والغضب الشعبي.
المخيف في الأمر ليس فقط الانزلاق المهني، بل الأثر النفسي والاجتماعي الذي قد يطال المشتبه به وعائلته والمجتمع ككل. فكم من شخص أدين افتراضيًا، ثم ثبتت براءته لاحقًا بعد أن دمّرت سمعته ومساره المهني والاجتماعي؟
من هنا وجب التذكير أن الإعلام ليس أداة للانتقام من أطياف الشعب ، بل رافعة للوعي العام. دوره الأساسي هو نقل الوقائع بمهنية، والتحقق من المعطيات واحترام ضوابط النشر التي تضمن حماية الحقوق وتوازن المجتمع المغربي.
في هذا الصدد فإن مسؤولية الإعلامي اليوم باتت جسيمة أكثر من أي وقت مضى. المطلوب ليس فقط نقل الخبر، بل تهذيبه وغربلته، وصياغته بما لا يخل بكرامة الإنسان ولا يسبق القضاء. أما القارئ فعليه أيضًا أن يراجع عواطفه قبل أن يضغط زر “مشاركة”، فربما يكون ما يروّجه ظلمًا في حق بريء.