لطالما ارتبط اسم قلعة مكونة، عاصمة الورود، بصورة ذهنية جميلة تحتفي بعبق الطبيعة وسحرها. لكن فعاليات اختيار ملكة الجمال، التي تقام سنوياً ضمن فعاليات المهرجان الدولي للورد العطري، تثير في كل دورة جدلاً واسعاً واستياءً متزايداً بين أبناء المنطقة، الذين يرون فيها استنساخاً مشوهاً لمعايير الجمال وضرباً صريحاً لقيمهم ومثلهم الأصيلة، وخاصة تلك التي تولي مكانة رفيعة للمرأة في مجتمعات الجنوب الشرقي، وعلى رأسها مجتمعات دادس مكون.
إن مشهد عرض الفتيات على منصة أشبه بـ “سوق للدلالة”، كما يصفه العديد من أبناء المنطقة، يتنافى بشكل صارخ مع الصورة المحترمة التي يكنها أهل الجنوب الشرقي للمرأة. ففي هذه المجتمعات الأصيلة، وخاصة في ثقافات أسامر العريقة، تُعتبر المرأة رمزاً للعزة والكرامة، وشريكاً فاعلاً في بناء الأسرة والمجتمع، لا سلعة تُعرض وتقيّم وفق معايير سطحية وغريبة عن هويتها الثقافية.
إن اختزال جمال المرأة في معايير نمطية مستوردة، وتجاهل العمق الثقافي والقيمي الذي يميز فتيات المنطقة، يمثل استلابة واضحة للهوية وتكريساً لقيم دخيلة لا تمت بصلة لروح المنطقة وتاريخها. فبدلاً من الاحتفاء بالجمال الحقيقي الذي يتجلى في أصالة المرأة الجنوبية الشرقية، في ثقافتها وعلمها ومساهمتها الفاعلة في مجتمعها، يتم التركيز على معايير شكلية لا تعكس جوهرها وقيمتها الحقيقية.
إن استمرار هذا النوع من المسابقات، التي تنظر إلى المرأة كجسد يُعرض ويُقيّم، يُعتبر ضرباً موجعاً للقيم والمثل العليا التي تربى عليها أجيال في هذه المنطقة. إنه تجاهل لتاريخ عريق من احترام المرأة وتقدير دورها المحوري في المجتمع. ففي مجتمعات أسامر لطالما كانت المرأة تتمتع بمكانة مرموقة، كحاضنة للتراث، وصانعة للأجيال، وشريكاً أساسياً في تدبير شؤون الأسرة والمجتمع.
إن الأصوات المتعالية من أبناء قلعة مكونة والجنوب الشرقي، التي تستنكر هذه الممارسات، هي تعبير عن رفض قاطع لتحويل بناتهم إلى مجرد أدوات للعرض، وتأكيد على التمسك بقيمهم الأصيلة التي تضع المرأة في مكانة تستحقها من الاحترام والتقدير. إن الاحتفاء بجمال المنطقة يجب أن يكون احتفاءً شاملاً بثقافتها وتراثها وقيمها، وفي القلب منها المكانة الرفيعة للمرأة.
ختاماً، يبقى الأمل معقوداً على أن يستمع منظمو المهرجان والمسؤولون عن الشأن الثقافي في المنطقة إلى أصوات أبنائها، وأن يتم في الدورات القادمة تبني مقاربة أكثر احتراماً ووعياً بالخصوصية الثقافية للمنطقة، مقاربة تحتفي بالجمال الحقيقي للمرأة الجنوبية الشرقية في عمقه وأصالته، بدلاً من اختزاله في معايير سطحية لا تعكس هويتها الحقيقية وقيمتها الإنسانية الرفيعة.