الأمن الروحي للمغاربة مسؤولية جماعية بقلم مروان عسالي

مروان عسالي // بلاد تيفي/

 

بتاريخ 4 يونيو 2025، وخلال صلاة العشاء بمسجد دوار الحاج موسى بجماعة تيط مليل، تفاجأ عدد من المصلين بقيام شاب، يُعرف في المنطقة بكونه نجل نائب رئيس مجلس الجماعة، برفع الأذان وإقامة الصلاة بالمصلين. وقد أثار هذا الحدث استغرابًا واسعًا وسط رواد المسجد، خاصة وأنه تزامن مع بداية التحركات الانتخابية للأحزاب السياسية استعدادًا للاستحقاقات المقبلة.

 

من حيث الشكل، قد يبدو الأمر عاديًا، فالمساجد بيوت الله مفتوحة لكل المؤمنين، والأذان وإمامة الصلاة من الشعائر التي ينبغي أن تتوفر فيها شروط شرعية وأخلاقية، لا سياسية. إلا أن السياق المحلي وحساسية المرحلة جعلا العديد من المصلين يتساءلون عن خلفيات هذه الخطوة، خاصة وأن الشاب المعني لا يُعرف بانخراطه المنتظم في الحياة الدينية أو بتكوينه الشرعي، في وقت تزخر فيه المساجد بأشخاص أفنوا حياتهم في حفظ كتاب الله والالتزام بسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.

 

ما وقع يثير نقاشًا أعمق حول ضرورة صون المساجد عن أي توظيف سياسي مباشر أو غير مباشر، ويعيد إلى الأذهان أهمية الحفاظ على الأمن الروحي للمغاربة، وهو أحد المقومات الأساسية لاستقرار الوطن وتماسك نسيجه الاجتماعي. هذا الأمن الذي يحرص عليه جلالة الملك محمد السادس نصره الله بصفته أميرًا للمؤمنين، من خلال إشرافه على تدبير الشأن الديني وضمان حياده واستقلاله عن أي تجاذبات سياسية.

 

إن النموذج المغربي في التدين، المبني على الوسطية والاعتدال والمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني، يفرض احترام المؤسسات الدينية ومكانتها الرمزية، وعدم الزج بها في حسابات ظرفية أو استغلالها لكسب تعاطف انتخابي أو شعبي. فالمغاربة، على اختلاف مشاربهم، يتقاسمون تقديرًا عميقًا للمساجد وروادها، ويدركون جيدًا خطورة أي تداخل بين الدين والسياسة، لما يمكن أن يترتب عنه من تشويش على وظيفة المساجد، وإقحام غير محسوب للعاطفة الدينية في الحقل السياسي.

 

إن ما نكتبه اليوم ليس اتهامًا لأشخاص أو نوايا، بل دعوة صادقة لتجنيب بيوت الله كل ما من شأنه أن يُضعف مكانتها في النفوس أو يُحوّلها إلى فضاء لتوجيه رسائل انتخابية غير معلنة. فالأمن الروحي للمغاربة ليس شعارًا فقط، بل مسؤولية جماعية تتطلب يقظة مجتمعية وتفاعلًا مسؤولًا من مختلف الفاعلين.

 

ختامًا، نأمل أن تكون هذه الواقعة لحظة للتأمل والتصحيح، لا للتراشق أو التأويل، حتى تظل مساجدنا منارات للهداية والطمأنينة، ومجتمعنا وفيًا لخصوصيته الروحية التي شكلت دائمًا مصدر قوته ووحدته.

Comments (0)
Add Comment